حنن ولد سيدي الرجل المناسب
السيرة التاريخية لحنن ولد سيدي الداودي الحساني / بقلم اسحاق أحمد حمين
——-
ولد حنن ولد سيدي في ربوع أجداده و النطاق الجغرافي لحكم عشيرته أولاد داوود، فمن رحم باسكنوا الولودة للفرسان بزغ ذات ليلة مقمرة من عام 1956، في بيت عز و مهابة و سيادة عسكرية وسياسية، من وسط اجتماعي يتأبط السلاح دفاعا عن العرض و المال والنفس، و يرسل حبر العلم سيالا في وديان التعلم و التدين، جامعا بين حمل العلم في الصدور و توشح السلاح عليها لحماية حصون المروءة و الكرامة.
بتلك الأرومة العريقة خرج ولد حنن يجوب مسارب الحياة و يراكم أسفار النجاحات و الانجازات على الصعد المعرفية و المهنية و الاجتماعية وحتى السياسية.
فبعد رحلة نبوغ خارقة في محاظر القرية حفظ خلالها القرآن و أمهات الكتب العلمية و اللغوية و الفقهية، و بعد تفوقه على المستوى الوطني في شهادة الباكالوريا شعبة الرياضيات، توجه لدق باب الجيش الوطني بداية سنوات شبابه و أواخر ارهاصات تأسيس الدولة، ما وفر له فرصة المساهمة الفعالة في تأسيس مرتكزات المؤسسة العسكرية إحدى أهم ركائز الدولة، فمن ضمن مجموعة قليلة من الضباط كان حنن من ضمن الصفوة المختارة لكتابة و إعادة صياغة و تأسيس النظام الداخلي للمؤسسة العسكرية الموريتانية، كما ظل ضمن أكثر الضباط معرفة و ثقافة ليس في المجال العسكري فحسب إنما على مختلف المستويات الثقافية: عربية كانت أو فرنسية، وذلك بشهادة كبار الكتاب و المفكرين و المثقفين الموريتانيين الذين يشيدون في كل سانحة بعمق معرفة الرجل و رجاحة عقله و نضج فكره.
كان حنن ولد سيدي دائما وفي مختلف محطاته المهنية و الفكرية والاجتماعية والثقافية والسياسية، أيقونة ذهبية تلمع بهدوء و تحدث الفرق الشاسع على موازين الظروف و الأزمات، ويشهد على ذلك مساره المهني الحافل و المشرف و الذي اختتم بأوسمة التكريم كما كان قد بدأ بنياشين التكليف و التشريف، كما خلدت بصماته القيادية و السيادية أثناء قيادته للقوات المشتركة لدول الساحل الخمس G5 والتي حقق فيها لموريتانيا من المجد و الرفعة ما لن تمحوه زوبعات الاستهداف المستهجن التي يتعرض لها من وقت لآخر من طرف جهات مدفوعة على عجلات المصالح الشخصية الضيقة.
لكن ورغم ما يعتري الصدر من ضيق و النفس من وهن بسبب شراسة الاتهام و زوره يتفاعل الجنرال المتقاعد ولد سيدي مع ذلك بلامبالاة اسطورية، تقوده لمشي الهوينا على بساط الرزانة، محافظا في حضوره الطاغي على خصائصه السوسيو_ثقافية، حيث يتحرك بتؤدة في بدلته العصرية بحضور لاذع لروح الرجل الداودي الحساني التقليدي، الذي يكرس حياته للذود عن حصونه بسلاحه و عن عرضه بمكارمه ومروءاته، غير مكترث بسُعار الماديات المتفاقم في قوقعة الواقع المتردي، تماما كما أورد المختار بن حامد في حياة موريتانيا فقد كان الداودي الأصيل يترفع عن التكسب بالتجارة أو الزراعة، أو النهب و الحرابة، إنما ينصب حصونه على صهوة فرسه ويسعى في الأرض يبتغي العلم متوكلا في رزقه على خالقه الذي ينزله إليه في مختلف مراحل حله وفصول ترحاله عاضا بنواجذه على هيبته و سيادته العسكرية ببأس سلاحه والسياسية بدبلوماسيته و اجتماعيته وتواضعه، ولسان حاله يردد:
وَإنّي لَحُلوٌ إِن أُرِيَدت حَلاوَتي
وَمُرٌّ إِذا نَفسُ العَزوفِ استَمَرَّتِ
و على ذكر ذلك فلم يرد الشنفري في هذا البيت الشعري الباذخ، أن يستفرد بسجايا الحلم، و التواضع، و خصال نبل الترفع، و حدة الصريمة، بل قصد تخليد ومضة خاطفة افتخر عبرها بأبرز ملامح الطباع العربية الأصيلة، و التي تحفظ وجه الشهامة و تحمي ظهر الكرامة، بنفس القدر الذي تزجي به سحائب السلام و العطاء إلى مواطن المفجوعين و المحتاجين و القانطين، وهي نفس الطباع والخصال التي تربى عليها المجتمع الحساني كابرا عن كابر، و ظلت القبائل الحسانية متمسكة بها كخيط ناظم لا بديل عنه، حتى ساهمت في نشرها كثقافة أخلاقية في مختلف بقاع الأرض التي وصلتها قوافل و سفراء قبائل حسان: الناشرة للدعوة، و الباثة للعلم والدين، و القيم الإنسانية المنتقاة، و على نهج الأسلاف، و رغم حملات التضليل و التشويه، فقد ظلت الأجيال المتعاقبة عبر الزمن من أحفاد حسان متمسكة بذلك الإرث الأخلاقي والقيمي، لدرجة أصبحت تلك الخصال شبه جينات متوارثة، تنشط بتلقائية في الشطر الواعي من ذهن الفرد على شكل مسلمة قادمة من عمق الصندوق الأسود للوعي الجمعي للمجتمع.
